عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب" فهل يمكن اعتبار التسبيح، والتحميد، وغيرهما من الصدقات، مثل تلك الصدقة التي تطفئ غضب الرب، أم إن الحديث الذي يتحدث عن أن الصدقة تطفئ غضب الرب، يتكلم عن صدقات الأموال؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على نص من نصوص الوحي، أو قول صريح لأهل العلم يخصص الصدقة التي تطفئ غضب الرب، بصدقة المال دون غيرها من الصدقات، ولكن كلام أهل العلم على الترغيب في الصدقة، والحث عليها، وذكرهم للأحاديث في هذا الموضوع مثل حديث: الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء. رواه ابن حبان، والطبراني، وغيرهما، يفهم منه أن المراد به صدقة التطوع بالمال، وصدقة السر.
جاء في جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب الحنبلي: "إِنَّ صَدَقَةَ السَّرِّ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ مَيْتَةَ السُّوءِ" وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ الْخُبْزَ عَلَى ظَهْرِهِ بِاللَّيْلِ، يَتْبَعُ بِهِ الْمَسَاكِينَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَيَقُولُ: إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ.
ومع ذلك فقد ورد في السنة ما يشير إلى أن بعض العبادات يطفئ الخطيئة كما تطفئها الصدقة.
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في جامع العلوم والحكم: وقوله: ((وصلاةُ الرَّجُلِ في جوف الليل))، يعني: أنَّها تُطفئ الخطيئة أيضًا كالصَّدقة، ويدلُّ على ذلك ما خرَّجه الإمام أحمد من رواية عُروة بن النَّزَّال، عن معاذ قال: أقبلنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فذكر الحديثَ، وفيه: ((الصَّومُ جنَّةٌ، والصَّدقةُ، وقيامُ العبد في جوف الليل يُكفر الخطيئة)). انتهى.
وجاء في صحيح السنة أن ذكر الله تعلى هو أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم؟ وأرفعها في درجاتكم؟ وخير لكم من إنفاق الذهب والورق؟ وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله. رواه مالك، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، إلا أن مالكًا وقفه على أبي الدرداء، وصححه الألباني.
قال المباركفوري: وفي الحديث دليل على أن الذكر أفضل عند الله تعالى من جميع الأعمال التي يعملها العبد, وأنه أكثرها نماء وبركة, وأرفعها درجة, وفي هذا ترغيب عظيم. اهـ.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يستبعد أن يكون ذكر الله يطفئ غضب الله، كما تطفئه الصدقة، ولكن هذا من الغيب الذي لا يمكن القول فيه إلا بتوقيف من الشارع.
والله أعلم.