عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: يا آدم, فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك, فيقول: أخرج بعث النار, قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين, فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها, وترى الناس سكارى وما هم بسكارى, ولكن عذاب الله شديد, قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟! وفي رواية: فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم, فقال صلى الله عليه وسلم: أبشروا؛ فإن منكم رجلًا، ومن يأجوج ومأجوج ألفًا. قرأت هذا الحديث في موقعكم وتفاجأت جدًّا منه، فأرجو منكم توضيحه وتفسيره, فلعل ما فهمته خاطئ, واتمنى أن يكون كذلك.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار ؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك حين يشيب الصغير, وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى, ولكن عذاب الله شديد, فاشتد ذلك عليهم, فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل؟ قال: (أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفًا ومنكم رجلًا، ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة), قال: فحمدنا الله وكبَّرنا، ثم قال: (والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ).
وقد أفاض المباركفوري في شرح هذا الحديث والتوفيق بينه وبين بعض الأحاديث الواردة في هذا الأمر فقال:
قال الحافظ :البعث بمعنى المبعوث, وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها, ومعناها هنا: ميز أهل النار من غيرهم, وإنما خص بذلك آدم؛ لكونه والد الجميع, ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء, فقد رآه النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الاسراء وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث, وما بعث النار: الواو عاطفة على شيء محذوف, تقديره: سمعت وأطعت, وما بعث النار, أي: وما مقدار مبعوث النار؟ وفي حديث أبي هريرة فيقول: يا رب, كم أخرج؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون في النار, وواحد إلى الجنة, وفي حديث أبي سعيد: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون, وفي حديث أبي هريرة: أخرج من كل مائة تسعة وتسعين, فحديث أبي هريرة مخالف لحديث عمران بن حصين وأبي سعيد مخالفة ظاهرة, وأجاب الكرماني: بأن مفهوم العدد لا اعتبار له, فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد, والمقصود من العددين واحد, وهو تقليل عدد المؤمنين, وتكثير عدد الكافرين, قال الحافظ: ومقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث أبي سعيد, فإنه يشتمل على زيادة, فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل ألف واحد, وحديث أبي هريرة يدل على أنه عشرة, فالحكم للزائد, ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر إلى العدد أصلًا, بل القدر المشترك بينهما ما ذكره من تقليل العدد, قال: وقد فتح الله تعالى في ذلك بأجوبة أخر, وهو حمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم, فيكون من كل ألف واحد, وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج, فيكون من كل ألف عشرة, ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة, ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين, والثاني بخصوص هذه الأمة, ويقربه قوله في حديث أبي هريرة: إذا أخذ منا, لكن في حديث ابن عباس: وإنما أمتي جزء من ألف, ويحتمل أن تقع القسمة مرتين: مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فقط, فيكون من كل ألف واحد, ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة, ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة, فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافرًا, ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيًا. انتهى
والله أعلم.