كيف يتم الجمع بين حديث: لا يحل دم امرئ مسلم.. إلا بإحدى ثلاث ـ وما يخالفه من آيات وأحاديث؟ ففي الحديث: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس, والثيب الزاني, والمفارق لدينه التارك للجماعة ـ نجد فيه استعمال أسلوب القصر والاستثناء مما يعني حصر حالات دم المسلم في الحالات الثلاث المذكورة فقط ولا تجوز الزيادة عليها أو التعديل لوجود أسلوب القصر والاستثناء المستعمل في الحديث, كما أنني لم أسمع عن واحد من علماء السلف قد قال بنسخه، فكيف يتم الجمع بينه وبين الأحكام الواردة في قتل من هم دون هذه الحالات الثلاث كقتل الخارج على الإمام وقتل الساحر وقتل الداعي إلى البدع؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين حديث: لا يحل دم امرئ مسلم.. وبين قتل الخارج والساحر.. حتى يحتاج إلى الجمع، لأنهم داخلون فيه، وقد يدخل فيه من هو أبعد منهم كالصائل، وإليك كلام أهل العلم في هذه المسألة، جاء في شرح النووي لصحيح مسلم عند شرح الحديث المشار إليه: والتارك لدينه المفارق للجماعة ـ عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام، قال العلماء: ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة، أو بغي، أو غيرهما، وكذا الخوارج.
وقال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين: التارك لدينه المفارق للجماعة ـ عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام، قال العلماء: ويتناول أيضاً كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما.. والظاهر أن هذا عام يخص منه الصائل ونحوه، فيباح قتله في دفع أذاه، وقد يجاب عن هذا: بأنه داخل في المفارق للجماعة ويكون المراد: لا يحل تعمد قتله قصداً إلا في هؤلاء الثلاثة. والله أعلم.
وقال الصنعاني في سبل السلام: وَقَوْلُهُ: الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ يَتَنَاوَلُ ـ كُلَّ خَارِجٍ عَنْ الْجَمَاعَةِ بِبِدْعَةٍ، أَوْ بَغْيٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا كَالْخَوَارِجِ إذَا قَاتَلُوا وَأَفْسَدُوا، وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الصَّائِلِ وَلَيْسَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَصْدًا وَالصَّائِلُ لَا يُقْتَلُ قَصْدًا بَلْ دَفْعًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ لِطَلَبِ إيمَانِهِ، بَلْ لِدَفْعِ شَرِّهِ.
والله أعلم.