قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، كث اللحية -غزيرو اللحية -، مقصرين الثياب، محلقين الرؤوس، يحسنون القيل, ويسيئون الفعل، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء" ما صحة هذا الحديث الذي كثر ذكره في صفحات التواصل الاجتماعي, وسبب كثيرًا من اللغط؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث بهذا اللفظ لم نجده, والظاهر أنه ملفق من ألفاظ صحيحة في روايات صحيحة, ومن ألفاظ أخرى مختلقة غير موجودة في النصوص أصلًا، ومن ذلك لفظة "مقصرين الثياب" فلا وجود لها البتة في ألفاظ الحديث في كل المراجع والموسوعات التي رجعنا إليها, ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي - وهو في اليمن - إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها, فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم أحد بني مجاشع, وبين عيينة بن بدر الفزاري, وبين علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب, وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان, فتغيظت قريش والأنصار, فقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا, قال: إنما أتألفهم, فأقبل رجل غائر العينين, ناتئ الجبين, كث اللحية, مشرف الوجنتين, محلوق الرأس, فقال: يا محمد, اتق الله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن يطيع الله إذا عصيته, فيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنونني, فسأل رجل من القوم قتله - أراه خالد بن الوليد - فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم, فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية, يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان, لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد.
وأخرجه غيرهما بألفاظ منها:
إن من بعدي من أمتي قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقمهم, يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان, يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد. ومنها:
إن ناسًا من أمتي سيماهم التحليق, يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم, يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية, ثم لا يعودون إليه, هم شر الخلق والخليقة. ومنها:
سيكون في أمتي اختلاف وفرقة, قوم يحسنون القول, ويسيئون الفعل, يقرؤون القرآن, لا يجاوز تراقيهم, يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية, لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه, هم شر الخلق والخليقة, طوبى لمن قتلهم وقتلوه, يدعون إلى كتاب الله, وليسوا منه في شيء, من قاتلهم كان أولى بالله منهم, سيماهم التحليق. ومنها:
يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان, سفهاء الأحلام, يقرؤون القرآن بألسنتهم, لا يجاوز تراقيهم, يقولون من قول خير البرية, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فمن لقيهم فليقتلهم, فإن في قتلهم أجرًا عظيمًا عند الله لمن قتلهم.
وجاء في الأحاديث المختارة عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون في أمتي اختلاف وفرقة, قوم يحسنون القيل, ويسيئون الفعل, يقرؤون القرآن, لا يجاوز تراقيهم, يحقر أحدكم صلاته مع صلاته, وصيامه مع صيامه, يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية, ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقهم, شر الخلق والخليقة, طوبى لمن قتلهم وقتلوه, يدعون إلى كتاب الله, وليسوا منه في شيء, من قاتلهم كان أولى بالله منهم, قالوا: يا رسول الله, ما سيماهم؟ قال: التحليق. قال الإمام أحمد: وقد حدثناه أبو المغيرة عن أنس عن أبي سعيد ثم رجع. إسناده صحيح.
والمراد في هذه الأحاديث - كما ذكر العلماء - الخوارج الذين خرجوا على علي, واستحلوا دم أهل الإسلام, وكل من يأتي بعدهم على منهجهم, بل إن بعض العلماء عده في حق كل من خرج على أئمة الهدى وجماعة المسلمين - كالرافضة ونحوهم - قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
فهؤلاء أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل, وأنهم ضالون, وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم, ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرًا, ثم يرتبون على الكفر أحكامًا ابتدعوها, فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم في كل مقام, تركوا بعض أصول دين الإسلام حتى مرقوا منه, كما مرق السهم من الرمية, وفي الصحيحين في حديث أبي سعيد: يقتلون أهل الإسلام, ويدعون أهل الأوثان, لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد, وهذا نعت سائر الخارجين - كالرافضة ونحوهم - فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين؛ لأن المرتد شر من غيره, وفي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قومًا يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق, قال: هم شر الخلق, أو من شر الخلق, تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق, وهذه السيما سيما أولهم, كما كان ذو الثدية؛ لأن هذا وصف لازم لهم.
والله أعلم.