عن عائشة - رضي الله عنها – قالت: تُوفِّيَ صبيٌّ, فقلتُ: طُوبى له, عصفورٌ من عصافيرِ الجنةِ, فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أو لا تدرين أنَّ اللهَ خلق الجنَّةَ وخلق النَّارَ, فخلق لهذه أهلًا، ولهذه أهلًا" فما صحة هذا الحديث؟ وما معناه؟ أي: من الممكن أن يعصي الله وقبل أن يتوفى يهديه الله ثم يدخل الجنة؛ لأن الجنة مكتوبة له، أو العكس، فهل من الممكن أن يطيع الله طول حياته وقبل أن يتوفى يعصي الله فيدخل النار؟ أرجو التوضيح.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن صحة هذا الحديث: فهو صحيح, أخرجه جمع مستفيض من أئمة الحديث, منهم أصحاب السنن إلا الترمذي، والإمام مسلم في صحيحه، ولفظه عنده: عن عائشة أم المؤمنين، قالت: توفي صبي، فقلت: طوبى له, عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو لا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلًا ولهذه أهلًا.
وأما عن شرحه: فتصور ألفاظه واضح لا يحتاج إلى بيان، وقد استدل بظاهره بعض من خالف في كون أطفال المسلمين مصيرهم الجنة، وهو خلاف ما عليه عامة أهل العلم, بل خلاف إجماع من يعتد به منهم, كما قال النووي - رحمه الله -.
جاء في شرح مسلم للنووي: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة؛ لأنه ليس مكلفًا, وتوقف فيه بعض من لا يعتد به؛ لحديث عائشة هذا, وأجاب العلماء بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع, كما أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله: أعطه, إني لأراه مؤمنًا قال: أو مسلمًا الحديث. ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة, فلما علم قال ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم, وغير ذلك من الأحاديث, والله أعلم.
وقال العراقي: استدل بتعليله عليه الصلاة والسلام دخول الآباء الجنة برحمة الأولاد، وشفاعتهم في آبائهم على أن أولاد المسلمين في الجنة، وهو قول جمهور العلماء، وشذت الجبرية فجعلوهم تحت المشيئة، وهذه السنة ترد عليهم، وأجمع على ذلك من يعتد به، وعليه يدل قوله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم} [الطور: 21] الآية، ويستحيل أن يكون الله تعالى يغفر لآبائهم بفضل رحمته إياهم، وهم غير مرحومين، وأما حديث عائشة ... والجواب عنه من وجهين: أحدهما: لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع على ذلك كما أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله: إني لأراه مؤمنًا فقال: أو مسلمًا الحديث.
الجواب الثاني: أنه - عليه الصلاة والسلام - لعله لم يكن حينئذ اطلع على أنهم في الجنة, ثم أعلم بعد ذلك، ومحل الخلاف في غير أولاد الأنبياء, قال المازري: أما أولاد الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - فالإجماع متحقق على أنهم في الجنة. اهـ
وراجعي للمزيد الفتويين التاليتين: 167709 / 16156 .
وأما ما ذكرت من أمر الختم بالشقاء أو بالسعادة - نسأل الله الحسنى - فهو صحيح واقع، ويدل له هذا الحديث، وقد جاء في معناه أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها. رواه البخاري ومسلم, واللفظ له.
قال العيني: وفيه: أن الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات لا موجبات، وأن مصير الأمر في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به التقدير.
قال ابن حجر: والمعنى أنه يتعارض عمله في اقتضاء السعادة والمكتوب في اقتضاء الشقاوة فيتحقق مقتضى المكتوب.
وقال أيضًا: قال ابن أبي جمرة - نفع الله به -: هذه التي قطعت أعناق الرجال مع ما هم فيه من حسن الحال؛ لأنهم لا يدرون بماذا يختم لهم.
والله أعلم.