أرجو شرح الحديث كاملًا: (علام تدخلون على قوم غضب الله عليهم, فناداه رجل فقال: نعجب منهم- يا رسول الله - فقال: ألا أنبئكم شيئًا بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم, وما هو كائن بعدكم, فاستقيموا وسددوا, فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئًا, وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئًا).
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث كان عند مرور النبي صلى الله عليه وسلم بوادي الحِجْرِ من أرض ثمود عام تبوك وقد رواه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والطبراني, وغيرهم. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيُّ وَقَدِ اخْتَلَطَ. وقال ابن كثير في السيرة النبوية عقب هذا الحديث: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
والجملة الأولى منه جاءت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم. وفيه: ثم قنع رأسه وأسرع بالسير حتى جاز الوادي.
قال ابن رجب في فتح الباري: هذا الحديث: نص في المنع من الدخول على مواضع العذاب، إلا على أكمل حالات الخشوع والاعتبار، وهو البكاء من خشية الله وخوف عقابه الذي نزل بمن كان في تلك البقعة، وأن الدخول على غير هذا الوجه يخشى منه إصابة العذاب الذي أصابهم. وفي هذا تحذير من الغفلة عن تدبر الآيات، فمن رأى ما حل بالعصاة ولم يتنبه بذلك من غفلته، ولم يتفكر في حالهم، ويعتبر بهم فليحذر من حلول العقوبة به، فإنها إنما حلت بالعصاة لغفلتهم عن التدبر وإهمالهم اليقظة والتذكر.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم شيئًا بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم, وما هو كائن بعدكم. فالرجل هو النبي صلى الله عليه وسلم, فقد نبأنا من أخبار ما كان قبلنا, وما هو كائن بعدنا.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فاستقيموا وسددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئًا, وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئًا. فهو قريب في المعنى من حديث: اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وقد قال ابن عبد البر في الاستذكار في شرح هذا الحديث: وَالَّذِي عِنْدِي فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ: (اسْتَقِيمُوا) يَعْنِي عَلَى الطَّرِيقَةِ النَّهْجَةِ الَّتِي نَهَجْتُ لَكُمْ, وَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا الْإِحَاطَةَ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ كُلِّهَا, وَلَا بُدَّ لِلْمَخْلُوقِينَ مِنْ ملال وتقصير في الأعمال, فَإِنْ قَارَبْتُمْ وَرَفَقْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ كُنْتُمْ أَجْدَرَ أَنْ تَبْلُغُوا مَا يُرَادُ مِنْكُمْ.
فالمعنى الإجمالي: فاستقيموا على الصراط المستقيم, وسددوا وقاربوا ما استطعتم من الاستقامة؛ فإن الله لا يبالي بعذابكم إذا لم تفعلوا ذلك.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئًا. فلم نجد أحدًا من أهل العلم شرح هذه الجملة، ويحتمل أن يكون المعنى - والله أعلم - أن أقوامًا سيأتون يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على هؤلاء المعذبين غير باكين.
والله أعلم.