دلت النصوص على أن الحرام درجات، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد من ست وثلاثين زنية. لو قدر مثلا أن رجلا اضطر ولم يجد إلا ميتة، أو خنزيرا فأيهما يختار؟ وعموما هل هناك كتب اعتنت بترتيب المحرمات؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمضطر يقدم الميتة على لحم الخنزير عند وجودهما.
قال القرافي في الذخيرة: قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: يُقَدِّمُ الْمَيْتَةَ عَلَى الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَارِضٌ بِسَبَبِ عَدَمِ الذَّكَاةِ، وَتَحْرِيمَهُ مُتَأَصِّلٌ. انتهى.
وأما عن ترتيب المحرمات، فإن كنت تقصد المحرمات التي تباح للمضطر، فقد ذكرها الفقهاء في كتب الفقه، وهناك ذكروا بعض مسائل وفروع في ترتيب ما يقدمه المضطر على غيره عند تعارضهما, وذلك بحسب كل مذهب واختياراته.
ومن أمثلة ذلك ما قاله القرافي في الذخيرة: الثالث: قال: يقدم المحرم الميتة على الصيد؛ لأن الاضطرار يبيح الميتة، وقد وجد. مبيح الصيد الإحلال، ولم يوجد. وقال ابن عبد الحكم: يقدم الصيد؛ لأن تحريمه خاص؛ ولأن تحريمه لا لوصفه، بخلاف الميتة فيهما؛ فلذلك يقدم لحم الصيد. الرابع: قال أبو الوليد: يقدم الميتة على الخنزير؛ لأن تحريمها عارض بسبب عدم الذكاة، وتحريمه متأصل. قال اللخمي: وحيث يأكل الخنزير يستحب له تذكيته.
وأما إن كنت تقصد المحرمات عامة، فإن العلماء رتبوا المحرمات من الأشد إلى الأنزل: الكفر والشرك، ثم الشرك الأصغر, ثم البدع, ثم الكبائر , ثم الصغائر من المحرمات. وفي كل من هذه الأقسام قد كتب العلماء كتباً وذكروا فيها أنواعها.
وأما بالنسبة للحديث الوارد في السؤال, فقال في مجمع الزوائد: وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية. رواه أحمد، والطبراني في الكبير، والأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح.
قال في مرقاة المفاتيح: قال رسول الله: درهم ربا يأكله الرجل. أي الشخص وهو يعلم، أي أنه ربا. وكذا إن لم يعلم لكنه قصر في التعلم؛ لأن الأئمة ألحقوا المقصر بترك التعلم الواجب عليه عيناً بالعالم، في أنه يكون مثله في الإثم. أشد من ستة وثلاثين زنية بكسر الزاي، وسكون النون. والظاهر أنه أريد به المبالغة زجراً عن أكله الحرام، وحثا على طلب الحلال، واجتناب حق العباد. وحكمة العدد الخاص مفوّض إلى الشارع، ويحتمل أن الأشدية على حقيقتها فتكون المرة من الربا بأشد إثماً من تلك الستة والثلاثين زنية، لحكمة علمها الله تعالى، وقد يطلع عليه بعض أصفيائه، قيل لأن الربا يؤدي بصاحبه إلى خاتمة السوء -والعياذ بالله تعالى- كما أخذه العلماء من قوله تعالى: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله. اهـ.
والله أعلم.