كيف نوفق بين الحديث الوارد في صحيح البخاري برقم: (6044) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ, حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, عَنْ مَنْصُورٍ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ», تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَة, طرفاه 48، 7076 - تحفة 9299 والحديث الوارد في صحيح مسلم (6779) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حَدَّثَنَا جَرِيرٌ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ أَبِي الضُّحَى, عَنْ مَسْرُوقٍ, عَنْ عَائِشَةَ, قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاَنِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيءٍ لاَ أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا, فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ, قَالَ: وَمَا ذَاكِ ؟, قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا قَالَ: أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي, قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَي الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا؟ كما وردت عدة أحاديث في صحيح مسلم في باب مَنْ لَعَنَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَوْ سَبَّهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ أَهْلًا لِذَلِكَ كَانَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا وَرَحْمَةً, فكيف يتم التوفيق بين ما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم؟ علمًا بأنني استمعت إلى أحد البرامج وكان الضيف - والذي أعتقد أنه غير متخصص - يريد أن يحذف الأحاديث التي تشبه الأحاديث الواردة في صحيح مسلم - أستغفر الله - لمجرد أنه لم يستطع التوفيق بين الأحاديث المتعارضة على ما أعتقد, فما رأيكم في ذلك؟ جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم إذا بلغه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمله على أحسن المحامل، بما يليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم ، كما جاء عن علي بن أبي طالب وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ قولهم: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه. أخرجه ابن ماجه.
أما الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرًا), وكون السب واللعن دون حق محرم ومنهي عنه, كما في الحديث: (سباب المسلم فسوق)، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يفعل ذلك، فهو أن السب المذموم الذي جاء النهي عنه في النصوص هو السب بغير حق، أما السب بحق, كسب الأشرار, وسب الساب بقدر ما سب، ونحو ذلك، فليس بمنهي عنه، والمراد في قوله صلى الله عليه وسلم: (فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرًا ) هو السب بحق .
والكلام في الجمع بين الأحاديث المتعارضة منوط بالعلماء الحاذقين، فقد ذكر ابن الصلاح من علوم الحديث: معرفة مختلف الحديث، وقال: وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، الغواصون على المعاني الدقيقة. أهـ .
فلا يجوز لمن لا علم عنده أن يتقحم هذا المجال، ويخوض في تضعيف الأحاديث الصحيحة لعدم فهمه لها، فهذا الحديث ثابت لا شك في صحته، فقد اتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة، وانفرد به مسلم من حديث عائشة وجابر وأنس - رضي الله عنهم -.
والله أعلم.