هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن كعب الجمحي، أبو السائب.
وكان من سادة المهاجرين.
حاله في الجاهلية:
وكان عثمان بن مظعون أحد من حرم الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابًا يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني ويحملني على أن أنكح كريمتي, فلما حرمت الخمر أتي وهو بالعوالي. فقيل له: يا عثمان. قد حرمت الخمر. فقال: تبًّا لها قد كان بصري فيها ثاقب. وفي هذا نظر لأن تحريم الخمر عند أكثرهم بعد أُحد.
إسلامه:
انطلق عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف, وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، حتى أتوا رسول الله
فعَرَض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعًا في ساعةٍ واحدةٍ، وذلك قبل دخول رسول الله
دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها, وهاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة.
أثر الرسول r في تربيته:
لقد ربى النبي
أصحابه على الاهتمام بالمسلمين ومعايشة آلامهم وكان عثمان بن مظعون ممن تأثرت نفسه بذلك فرد جوار الوليد بن المغيرة, وفضل أن يعيش كإخوانه المسلمين المستضعفين في جوار الله
ومستعينًا به.
ويروي ابن إسحاق هذا الحدث الذي يدل على عمق التربية لدى أصحاب رسول الله
: فعندما أشيع إسلام أهل مكة رجع من هاجروا إلى الحبشة ولما قربوا من دخول مكة علموا أن أهل مكة لم يدخلوا في الإسلام, فرجع منهم من رجع إلى الحبشة ودخل البعض الآخر مستخفيًا, والبعض دخل في جوار أناس من المشركين ودخل عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة, ولما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله
من البلاء، وهو يروح ويغدو في أمان من الوليد بن المغيرة قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا في جوار رجل من أهل الشرك, وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كثير في نفسي.
فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، قد رددت إليك جوارك، قال: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله
ولا أريد أن أستجير بغيره, قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية, قال: فانطلق، فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد بن المغيرة: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري. قال: صدق قد وجدته وفيًّا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان
ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فقال عثمان: صدقت، فقال لبيد:
وكل نعيم لا محالة زائل
فقال عثمان: كذبت, نعيم الجنة لا يزول, فقال لبيد: يا معشر قريش, والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم, فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله, فرد عليه عثمان حتى شرى أمرهما, فقام إليه ذلك الرجل ولطم عينه فخضرها, والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان, فقال: والله يا ابن أخي، إن كانت عينك عما أصابها لغنية, ولقد كنت في ذمة منيعة, قال: يقول عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس, فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي إلى جوارك فعد، قال: لا.
أهم ملامح شخصيته:
1- صدق إسلامه وطاعته لرسول الله
وأدائه للعبادات ليلاً ونهارًا:
قال سعد بن أبي وقاص: رد رسول الله
التبتل على عثمان بن مظعون ولو أذن له لاختصينا. وكان عابدًا مجتهدًا من فضلاء الصحابة وقد كان هو وعلي بن أبي طالب وأبو ذر
همّوا أن يختصوا ويتبتلوا, فنهاهم رسول الله
عن ذلك. ونزلت فيهم: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93].
2- شدة حياء عثمان بن مظعون:
أتى عثمان بن مظعون النبي
فقال: يا رسول الله إنّي لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي, قال رسول الله
: "ولِمَ؟", قال: أستحيي من ذلك وأكرهه, قال
: "إنّ الله جعلها لك لباسًا، وجعلك لها لباسًا، وأهلي يرون عورتي، وأنا أرى ذلك منهم", قال: أنت تفعل ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم", قال: فمن بعدك, فلمّا أدبر قال رسول الله
: "إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ".
بعض المواقف من حياته مع الرسول
:
يقول أبو بردة: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي
فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك؟ فما في قريش أغنى من بعلك! قالت: أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم، فلقيه النبي
فقال: "أما لك بي أسوة". الحديث.
قال: فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس.
وعن حماد بن زيد قال: حدثنا معاوية بن عياش، عن أبي قلابة أن عثمان بن مظعون قعد يتعبد، فأتاه النبي
فقال: "يا عثمان! إن الله لم يبعثني بالرهبانية وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة".
بعض كلماته:
قال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو ابن عمه وكان يؤذيه في إسلامه وكان أمية شريفًا في قومه في زمانه ذلك:
أتيم بن عمرو للذي جاء بغضة *** ومن دونه الشرمان والبرك أكـتع
أأخرجتني من بطن مكة آمنا *** وأسكنتني في صرح بـيضاء تقـذع
تريش نبالا لا يواتيك ريشها *** وتبـرى نـبالا ريشها لـك أجمع
وحـاربت أقواما كراما أعزة *** وأهلكت أقواما بهم كنـت تفزع
ستعلم إن نابتـك يوما ملمة *** وأسلمك الأوباش ما كـنت تصنع
وتيم بن عمرو، الذي يدعو عثمان جمح كان اسمه تيم.
موقف الوفاة:
يروي خارجة بن زيد، أن أم العلاء -امرأة من الأنصار- بايعتِ النبي
، أخبرته : أنه اقتُسِمَ المهاجرون قُرعة، فطار لنا عثمان بن مَظْعون، فأنزلناه في أبياتنا. فَوَجِعَ وجَعَهُ الذي تُوُفِّي منه. فلما توفي وغُسِّل وكفِّن في أثوابه، دخل رسولُ الله
، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك: لقد أكرمك الله. فقال النبي
: "وما يدريك أن الله أكرمَهُ؟", فقلت: بأبي أنت وأُمِّي يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: "أمّا هو فقد جاءه اليقين. والله إِني لأرجو له الخير. والله ما أدري -وأنا رسول الله- ما يُفعَلُ بي؟", قالت: فوالله لا أُزَكِّي أحدًا بعده أبدًا يا رسول الله.
زاد في رواية قالت: "وأُرِيتُ لعثمان في النوم عَينًا تجري، فجئتُ رسول الله
، فذكرت ذلك له. فقال : "ذلك عمله".
وعن عائشة أن رسول الله
قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل على خد عثمان بن مظعون.
وعن أبي النضر قال: لما مر بجنازة عثمان بن مظعون قال رسول الله: "ذهبت ولم تلبس منها بشيء".
وروى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث عن سالم أبي النضر قال: دخل رسول الله
على عثمان بن مظعون وهو يموت فأمر رسول الله
بثوب فسجي عليه, وكان عثمان نازلاً على امرأة من الأنصار يقال لها: أم معاذ, فمكث رسول الله
متكئًا عليه طويلاً ثم تنحى فبكى, فبكى أهل البيت, فقال: "إلى رحمة الله أبا السائب". وكان السائب ابنه قد شهد معه بدرًا, فقالت أم معاذ: هنيئًا لك أبا السائب الجنة. فقال رسول الله
: "وما يدريك يا أم معاذ ما هو فقد جاءه اليقين ولا نعلم إلا خيرًا". قالت: لا والله لا أقولها لأحد بعده أبدًا.
وتوفي في شعبان سنة ثلاث
وكان أول من دفن ببقيع الغرقد يقول عبيد الله بن أبي رافع قال: أول من دفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، فوضع رسول الله
عند رأسه حجرًا، وقال: هذا قبر فرطنا.