الآثار الواردة في اتباع الیهود الهوى
الآثار:
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ = 77 } [سورة المائدة 5/77]
9598 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} قال: يهود. ([1])
9599 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً} فهم أولئك الذين ضلوا وأضلوا أتباعهم. {وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} عن عدل السبيل. ([2])
قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ = 44 } [سورة البقرة 2/44]
702- حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة، وتتركون أنفسكم: أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي. ([3])
703- حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} يقول: أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة {وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} ([4])
705 -وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قولـه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون، فعيرهم الله. ([5])
707 -حدثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء، أمروه بالحق، فقال الله لهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ = 44 } ([6])
قوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [سورة البقرة 2/44]
710 -حدثنا به محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {أَفَلا تَعْقِلُونَ} يقول: أفلا تفهمون فنهاهم عن هذا الخلق القبيح. ([7])
قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [سورة البقرة 2/61]
900 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} يقول: أتستبدلون الذي هو شر بالذي هو خير منه. ([8])
901 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: {الَّذِي هُوَ أَدْنَى} قال: أردأ. ([9])
قولـه تعالى: {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة البقرة 2/85]
1212- حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} إلى أهل الشرك حتى تسفكوا دماءهم معهم، وتخرجوهم من ديارهم معهم. فقال: أنبهم الله على ذلك من فعلهم، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم؛ فكانوا فريقين طائفة منهم من بني قينقاع حلفاء الخزرج والنضير وقريظة حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، بظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون منها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون جنة ولا ناراً، ولا بعثاً، ولا قيامة، ولا كتاباً، ولا حراماً، ولا حلالاً؛ فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقاً لما في التوراة وأخذاً به بعضهم من بعض: يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، ويُطِلّونَ ما أصابوا من الدماء وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول الله تعالى ذكره حين أنبهم بذلك: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ} أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه؛ وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من ذلك، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض من عرض الدنيا. ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نـزلت هذه القصة. ([10])
1219- حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، قال: قال أبو جعفر: كان قتادة يقول في قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}فكان إخراجهم كفراً وفداؤهم إيماناً. ([11])
1221 - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، قال: ثنا الربيع بن أنس، قال: أخبرني أبو العالية: أن عبد الله بن سلام _ مر على رأس الجالوت ([12]) بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب، ولا يفادي من وقع عليه العرب، فقال له عبد الله بن سلام: أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن فادوهن كلهن.([13])
1222- حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ} قال: كفرهم القتل والإخراج، وإيمانهم الفداء. قال ابن جريج: يقول: إذا كانوا عندكم تقتلونهم وتخرجونهم من ديارهم. وأما إذا أسروا تفدونهم؟ وبلغني أن عمر بن الخطاب _ قال في قصة بني إسرائيل: إن بني إسرائيل قد مضوا وإنكم أنتم تعنون بهذا الحديث. ([14])
قوله: {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [سورة النساء 4/46]
7665 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد، في قوله: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ = 93 } [سورة البقرة 2/93] قال: قالت اليهود: سمعنا ما تقول، ولا نطيعك. ([15])
قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ = 175 وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الأعراف 7/176]
11944 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {فَانسَلَخَ مِنْهَا} قال: بلعام بن باعرا، من بني إسرائيل. ([16])
11955 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: كان في بني إسرائيل بلعام بن باعر أوتي كتابا. ([17])
11964 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: انطلق رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم، فأتى الجبارين فقال: لا ترهبوا من بني إسرائيل، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم ! فخرج يوشع يقاتل الجبارين في الناس. وخرج بلعم مع الجبارين على أتانه وهو يريد أن يلعن بني إسرائيل، فكلما أراد أن يدعو على بني إسرائيل دعا على الجبارين، فقال الجبارون: إنك إنما تدعو علينا ! فيقول: إنما أردت بني إسرائيل. فلما بلغ باب المدينة أخذ ملك بذنب الأتان، فأمسكها فجعل يحركها فلا تتحرك، فلما أكثر ضربها تكلمت فقالت: أنت تنكحني بالليل وتركبني بالنهار؟ ويلي منك ! ولو أني أطقت الخرج لخرجت، ولكن هذا الملك يحبسني. وفي بلعم يقول الله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}.. الآية. ([18])
11971 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: كان في بني إسرائيل بلعام بن باعر أوتي كتابا، فأخلد إلى شهوات الأرض ولذتها وأموالها، لم ينتفع بما جاء به. ([19])
11979 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد، عن سالم أبي النضر: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الأعراف 7/176] يعني: بني إسرائيل، إذ قد جئتهم بخبر ما كان فيهم مما يخفون عليك، لعلهم يتفكرون، فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر عما مضى فيهم إلا نبي يأتيه خبر السماء. ([20])
قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ = 51 } [سورة القصص 28/51]
20953 - حدثنا ابن سنان، قال: ثنا حيان، قال: ثنا حماد، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عطية القرظي قال: نزلت هذه الآية {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [سورة القصص 28/51] حتى بلغ {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [سورة القصص 28/53] في عشرة أنا أحدهم. ([21])
الدراســــة:
من أبرز صفات اليهود التي جرت عليهم بسببها غضب الله ومقته :اتباعهم لأهوائهم؛ والهوى: كل ما خالف الحق، وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد، فالهوى ميل النفس إلى الشهوة، ثم يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية كما قال الشعبي: ((إنما سميت الأهواء لأنها تهوي بصاحبها في النار.)) ([22])
وقد ذم الله اليهود لاتباعهم لأهوائهم، حيث قادهم ذلك إلى تبديل شرع الله والكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من الوحي؛ وسبب ذلك اتباعهم لأهوائهم، قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ = 87 } [سورة البقرة 2/87]. وقال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} [سورة المائدة 5/70]
قال الطبري: "يقول الله جل ثناؤه لهم: يا معشر يهود بني إسرائيل، لقد آتينا موسى عليه السلام التوراة، وتابعنا من بعده بالرسل إليكم، وآتينا عيسى ابن مريم البينات والحجج إذ بعثناه إليكم، وقويناه بروح القدس. وأنتم كلما جاءكم رسول من رسلي بغير الذي تهواه نفوسكم استكبرتم عليهم تجبراً وبغياً استكبار إمامكم إبليس؛ فكذبتم بعضاً منهم، وقتلتم بعضاً، فهذا فعلكم أبداً برسلي. ([23])
واتباع الهوى: مما ذمه الله -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم , إذ أن من اتبع هواه, فهو مخالف لأمر الله ونهيه,بل وصف الله بعض متبعي اهوائهم عبادا لها كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ = 23 } [سورة الجاثية 45/23] وقوله:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [سورة الفرقان 25/43]
ويترتب على من من اتبع هواه، وترك اتباع أمر الله ونهيه، وآثر هوى نفسه على طاعة ربه، فأمره إلى هلاك كما قال تعالى لنبيه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [سورة الكهف 18/28]
ووصف الله اليهود باتباع الهوى ثم حذر رسوله صلى الله عليه وسلم منهم و أن السبب في عدم استجابتهم لـه هو اتباعهم لهواهم: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص 28/50] أي آراء قلوبهم وما يستحسنونه ويحببه لهم الشيطان، وإنه لا حجة لهم {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [سورة القصص 28/50] أي لا أحد أضل منه {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة 5/51]. ([24])
وحذر الله النصارى من مشابهة اليهود في اتباع الهوى فقال:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ = 77 } [سورة المائدة 5/77]
قال الطبري: "قل يا محمد لهؤلاء الغالية من النصارى في المسيح: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} يعني بالكتاب: الإنجيل، {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} يقول: لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح، فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل، فتقولوا فيه: هو الله، أو هو ابنه؛ ولكن قولوا: هو عبد الله كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ} ويقول: ولا تتبعوا أيضاً في المسيح أهواء اليهود الذين قد ضلوا قبلكم عن سبيل الهدى في القول فيه، فتقولون فيه كما قالوا: هو لغير رشدة." ([25])
وتبهتوا أمه كما يبهتونها بالفرية، وهي صديقة. {وَأَضَلُّواْ كَثِيراً} يقول تعالى ذكره: وأضل هؤلاء اليهود كثيراً من الناس، فحادوا بهم عن طريق الحق وحملوهم على الكفر بالله والتكذيب بالمسيح. {وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} يقول: وضل هؤلاء اليهود عن قصد الطريق، وركبوا غير محجة الحق وإنما يعني تعالى ذكره بذلك كفرهم بالله وتكذيبهم رسله عيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم ، وذهابهم عن الإيمان وبعدهم منه. وذلك كان ضلالهم الذي وصفهم الله به. ([26])
وقد ضرب الله مثلاً لما في اليهود من ضلال في اتباعهم أهوائهم حتى لمن نسب إلى الصلاح منهم,كما أخبرنا -جل وعلا-عن رجل من بني اسرائيل ممن اتبع هواه في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ = 175 وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الأعراف 7/176]
واختلفت الروايات في تعيين اسم الرجل الذي آتاه الله الآيات وبعض الآثار تنص على أنه من بني إسرائيل وورد غير ذلك. وليس عندنا دليل من الكتاب أو السنة صريح يمكن الاعتماد عليه، ليكون حجة. وغالب الظن أن هذا التعيين متلقى من الإسرائيليات.
قال الطبري معقباً على ما جاء في سبب النزول: "والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن يتلو على قومه خبر رجل كان آتاه حججه وأدلته، وهي ( الآيات ) ...وجائز أن يكون الذي كان الله آتاه ذلك ( بلعم ) - وجائز أن يكون ( أمية ) ... ولا خبر بأي الرجلين المعني، يوجب الحجة، ولا في العقل دلالة على أي ذلك المعني به من أي. فالصواب أن يقال فيه ما قال الله، ونقر بظاهر التنزيل على ما جاء به الوحي من الله." ([27])
وخطأ ابن كثير من قال إن بلعم قد أوتي النبوة فانسلخ منها. قال رحمه الله : "وأغرب، بل أبعد، بل أخطأ من قال: كان قد أوتي النبوة فانسلخ منها، حكاه ابن جرير عن بعضهم ولا يصح." ([28])
وفيما ورد من وصف القوم الذين كذبوا واتبعوا أهوائهم من بني إسرائيل، وما حصل منهم, هو للعبرة والعظة لليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمسلمين من في كل زمان ومكان.
قال الطبري رحمه الله : "يقول تعالى ذكره: هذا المثل الذي ضربته لهذا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، مثل، القوم الذين كذبوا بحججنا وأعلامنا وأدلتنا، فسلكوا في ذلك سبيل هذا المنسلخ من آياتنا الذي آتيناها إياه في تركه العمل بما آتيناه من ذلك.
وأما قولـه: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} [سورة الأعراف 7/176] فإنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاقصص يا محمد هذا القصص، الذي قصصته عليك من نبإ الذي آتيناه آياتنا، وأخبار الأمم التي أخبرتك أخبارهم في هذه السورة وقصصت عليك نبأهم ونبأ أشباههم، وما حل بهم من عقوبتنا ونزل بهم، حين كذبوا رسلنا من نقمتنا على قومك من قريش ومن قبلك من يهود بني إسرائيل، ليتفكروا في ذلك فيعتبروا وينيبوا إلى طاعتنا، لئلا يحل بهم مثل الذي حل بمن قبلهم من النقم والمثلات، ويتدبره اليهود من بني إسرائيل فيعلموا حقيقة أمرك وصحة نبوتك، إذ كان نبأ الذي آتيناه آياتنا من خفي علومهم ومكنون أخبارهم لا يعلمه إلا أحبارهم ومن قرأ الكتب ودرسها منهم، وفي علمك بذلك وأنت أمي لا تكتب ولا تقرأ ولا تدرس الكتب ولم تجالس أهل العلم الحجة البينة لك عليهم بأنك لله رسول، وأنك لم تعلم ما علمت من ذلك، وحالك الحال التي أنت بها إلا بوحي من السماء. ([29])
واتباع الهوى هو ما كان يريده اليهود زمن الرسول صلى الله عليه وسلم منه, ومن أمته ولذلك تتابع تحذير الله من كيدهم فقال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍٍ = 120 } [سورة البقرة 2/120]
قال الطبري رحمه الله : "يعني جل ثناؤه بقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ} يا محمد هوى هؤلاء اليهود والنصارى، فيما يرضيهم عنك من تهود وتنصر، فصرت من ذلك إلى إرضائهم، ووافقت فيه محبتهم من بعد الذي جاءك من العلم بضلالتهم وكفرهم بربهم، ومن بعد الذي اقتصصت عليك من نبئهم في هذه السورة، {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ}. يعني بذلك: ليس لك يا محمد من ولي يلي أمرك، وقيم يقوم به، ولا نصير ينصرك من الله، فيدفع عنك ما ينزل بك من عقوبته، ويمنعك من ذلك أن أحل بك ذلك ربك. ([30])
والخطاب في التحذير من متابعة اليهود والنصارى معهم ,هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده كما ذكره المفسرون.
قال القرطبي رحمه الله : "وفي هذا الخطاب وجهان: أحدهما: أنه للرسول صلى الله عليه وسلم ، لتوجه الخطاب إليه. والثاني: أنه للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته، وعلى الأول يكون فيه تأديب لأمته، إذ منزلتهم دون منزلته. وسبب الآية أنهم كانوا يسألون المسالمة والهدية، ويعدون النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام، فأعلمه الله أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، وأمره بجهادهم." ([31])
وقال السعدي رحمه الله : "فهذا فيه النهي العظيم عن اتباع أهواء اليهود والنصارى، والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك؛ لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب." ([32])
وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه وحذر أمته مما حذره ربه فقال صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه من الخيلاء.)) ([33])
ومن بعده صلى الله عليه وسلم حذر أصحابه كذلك فعن علي _ قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل؛ أما اتباع الهوى فأنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.)) ([34])
ولأن اليهود هم اليهود في كل زمان لا تنفعهم الموعظة, فهذا مثال بعد زمن النبوة بقليل والكاشف له من أعلم الناس باليهود,كيف وقد كان من علمائهم أعني: عبد الله بن سلام _ وقصته مع كبير اليهود, حين مر عليه الكوفة قال_: ((شهدت فتح نهاوند فجاءني رأس الجالوت ([35]) فجعل يشتري من كان يهودياً، فمرت به جارية صبيحة مع رجل فقال لـه هل أتاكِ هذا؟ قال: فظننت أنه حين رأى صباحتها فقلت: لقد أثمت بمسألتك إياها بما في كتابك، قال: وما يدريك ما في كتابي؟ قلت: أنا أعلم بكتابك منك. سل عني فأخبرك، فلما أتى منزله دعا بدابة وسألني أن آتيه، فرجوت أن ينفعه الله بي ويهديه للإسلام فأتيته فذاكرته كتابه وأخبرته بصفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه، فقال: إني لأعرف ما تقول. قلت: فما يمنعك من الإسلام فإذا الرجل مستكبر راغب في منزلته فلم يسلم.)) ([36])
-----------------------------------------------------------
([1]) تفسير الطبري ( 6 / 316 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1181 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 252 )
([2]) تفسير الطبري ( 6 / 316 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 204 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 124 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)
([3]) تفسير الطبري ( 1 / 258 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 101 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 86 ) إسناده ضعيف.
([4]) تفسير الطبري ( 1 / 258 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 156 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 86 )
([5]) تفسير الطبري ( 1 / 258 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 44 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 101 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 86 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/149)
([6]) تفسير الطبري ( 1 / 258 )
([7]) تفسير الطبري ( 1 / 259 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 156 )
([8]) تفسير الطبري ( 1 / 312 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 124 )و صححه في التفسير الصحيح (1/167)
([9]) تفسير الدر المنثور ( 1 / 177 ) - تفسير الطبري ( 1 / 313 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)
([10]) تفسير الطبري ( 1 / 397 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 164 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 211 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/189-190)
([11]) تفسير الطبري ( 1 / 399 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/190)
([12]) رأس الجالوت اسم يطلق على كبير اليهود وكان يدعى سابقا -القطنون-فتح الباري ج:10 ص:593 والإصابة في تمييز الصحابة ج:4 ص:766
([13]) تفسير الطبري (1/399) - تفسير الدر المنثور (1/212) مصنف ابن أبي شيبة (6/558) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).
([14]) تفسير الطبري ( 1 / 399 )
([15]) تفسير الطبري ( 5 / 118 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 965 ) - تفسير ابن كثير (1/508) إسناده ضعيف.
([16]) تفسير الطبري ( 9 / 120 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1618 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 610 )
([17]) تفسير الطبري ( 9 / 122 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)
([18]) تفسير الطبري ( 9 / 126 )
([19]) تفسير الطبري ( 9 / 122 )
([20]) تفسير الطبري ( 9 / 130 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1621 ) إسناده ضعيف.
([21]) تفسير الطبري ( 20 / 88 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 2988 ) تفسير الدر المنثور ( 6 / 422 ) - تفسير القرطبي ( 13 / 296 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 394 ) - المعجم الكبير ( 5 / 53 )
([22]) رواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة ج:1 ص:147
([23]) تفسير الطبري ج:1 ص:406
([24]) تفسير القرطبي ج:13 ص:295
([25]) قال ابن الأثير : يقال هذا ولَد رِشْدة إذا كان لِنِكاح صحيح كما يقال في ضِدّه وللَدُ زِنْية بالكسر فيهما وقال الأزهري في فَصْل بَغي كلامُ العرب المعروف فلان ابن زَنْية وابن رَشْدة وقيل قيل زِنْية ورِشْدة والفتحُ أفصحُ اللُّغتين النهاية 2/225 )
([26]) تفسير الطبري ج:6 ص:316
([27]) تفسير الطبري ( 13/259 - 260 ) بتصرف .
([28]) تفسير ابن كثير( 3/509 )
([29]) تفسير الطبري 9/130
([30]) تفسير الطبري1/518
([31]) تفسير القرطبي2 /94
([32]) تفسيرالسعدي 1/65
([33]) رواه الطبراني المعجم الأوسط 5 /328 وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم3045
([34]) رواه البيهقي شعب الإيمان ج:7 ص:369
([35]) رأس الجالوت اسم يطلق عل كبير اليهود وكان يدعى سابقا -القطنون-فتح الباري ج:10 ص:593 والإصابة في تمييز الصحابة ج:4 ص:766 .
([36]) مصنف ابن أبي شيبة ج:6 ص:558 و دلائل النبوة للاصبهاني ج:1 ص:99.